الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب المرأة تحيض بعد الإفاضة) أي هل تمنع من طواف الوداع أم لا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ فَقَالُوا بَلَى قَالَ فَاخْرُجِي الشرح: قوله: (عن عمرة بنت عبد الرحمن) هي المذكورة في الإسناد الذي قبله، وهذا الإسناد - سوى شيخ البخاري - مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك وعائشة. قوله: (إن صفية) أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (قالوا: بلى) أي النساء ومن معهن من المحارم. قوله: (فاخرجي) كذا للأكثر بالإفراد خطابا لصفية من باب العدول عن الغيبة، وهي قوله " ألم تكن طافت " إلى الخطاب، أو هو خطاب لعائشة، أي فأخرجي فهي تخرج معك، وللمستملي والكشميهني " فاخرجن " وهو على وفق السياق، وسيأتي الكلام على هذا الحديث والذي بعده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وقوله فيه " وكان ابن عمر " هو مقول طاوس لا ابن عباس، وكذا قوله " ثم سمعته يقول " وكان ابن عمر يفتي بأنه يجب عليها أن تتأخر إلى أن تطهر من أجل طواف الوداع، ثم بلغته الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهن في تركه فصار إليه، أو كان نسي ذلك فتذكره. وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف. *3* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ الشرح: قوله: (باب إذا رأت المستحاضة الطهر) أي تميز لها دم العرق من دم الحيض، فسمي زمن الاستحاضة طهرا لأنه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض، ويحتمل أن يريد به انقطاع الدم، والأول أوفق للسياق. قوله: (قال ابن عباس تغتسل وتصلي ولو ساعة) قال الداودي: معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم فإنها تغتسل وتصلي. والتعليق المذكور وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سيرين عن ابن عباس " أنه سأله عن المستحاضة فقال: أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي " وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا لأن الدم البحراني هو دم الحيض. قوله: (ويأتيها زوجها) هذا أثر آخر عن ابن عباس أيضا وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه قال " المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها " ولأبي داود من وجه آخر عن عكرمة قال " كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها " وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها. قوله: (إذا صلت) شرط محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم، وقوله "الصلاة أعظم " أي من الجماع، والظاهر أن هذا بحث من البخاري أراد به بيان الملازمة، أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى لأن أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع، ولهذا عقبه بحديث عائشة المختصر من قصة فاطمة بنت أبي حبيش المصرح بأمر المستحاضة بالصلاة، وقد تقدمت مباحثه في باب الاستحاضة، وزهير المذكور هنا هو ابن معاوية، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه تاما، وأشار البخاري بما ذكر إلى الرد على من منع وطء المستحاضة، وقد نقله ابن المنذر عن إبراهيم النخعي والحكم والزهري وغيرهم، وما استدل به على الجواز ظاهر فيه. وذكر بعض الشراح أن قوله " الصلاة أعظم " من بقية كلام ابن عباس، وعزاه إلى تخريج ابن أبي شيبة، وليس هو فيه، نعم روى عبد الرزاق والدارمي من طريق سالم الأفطس أنه سأل سعيد ابن جبير عن المستحاضة أتجامع؟ قال " الصلاة أعظم من الجماع" *3* الشرح: قوله: (باب الصلاة على النفساء وسنتها) أي سنة الصلاة عليها. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ وَسَطَهَا الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن أبي سريج) تقدم أنه بالمهملة والجيم، واسمه الصباح، وقيل إن أحمد هو ابن عمر بن أبي سريج فكأنه نسب إلى جده. قوله: (أن امرأة) هي أم كعب سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم، وذكر أبو نعيم في الصحابة أنها أنصارية. قوله: (ماتت في بطن) أي بسبب بطن يعني الحمل، وهو نظير قوله " عذبت امرأة في هرة " قال ابن التيمي: قيل وهم البخاري في هذه الترجمة فظن أن قوله " ماتت في بطن " ماتت في الولادة، قال: ومعنى ماتت في بطن ماتت مبطونة. قلت: بل الموهم له هو الواهم، فإن عند المصنف في هذا الحديث من كتاب الجنائز " ماتت في نفاسها " وكذا لمسلم. قوله: (فقام وسطها) بفتح السين في روايتنا، وكذا ضبطه ابن التين، وضبطه غيره بالسكون، وللكشميهني " فقام عند وسطها " وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال ابن بطال: يحتمل أن يكون البخاري قصد بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت لا تصلي لها حكم غيرها أي في طهارة العين، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، قال وفيه رد على من زعم أن ابن آدم ينجس بالموت لأن النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلما لم يضرها ذلك كان الميت الذي لا يسيل منه نجاسة أولى. وتعقبه ابن المنير بأن هذا أجنبي عن مقصود البخاري، قال وإنما قصد أنها وإن ورد أنها من الشهداء فهي ممن يصلي عليها كغير الشهداء وتعقبه ابن رشيد بأنه أيضا أجنبي عن أبواب الحيض، قال: وإنما أراد البخاري أن يستدل بلازم من لوازم الصلاة لأن الصلاة اقتضت أن المستقبل فيها ينبغي أن يكون محكوما بطهارته، فلما صلى عليها - أي إليها - لزم من ذلك القول بطهارة عينها، وحكم النفساء والحائض واحد، قال: ويدل على أن هذا مقصوده إدخال حديث ميمونة في الباب كما في رواية الأصيلي وغيره. ووقع في رواية أبي ذر قبل حديث ميمونة: الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الْوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ الشرح: قوله: (حدثنا الحسن بن مدرك) هو الطحان البصري أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري، بل البخاري أقدم منه، وقد شاركه في شيخه يحيى بن حماد المذكور هنا، وكأن هذا الحديث فاته فاعتمد فيه على الحسن المذكور لأنه كان عارفا بحديث يحيى بن حماد. قوله: (من كتابه) إشارة إلى أن أبا عوانة حدث به من كتابه لا من حفظه، وكان إذا حدث من كتابه أتقن مما إذا حدث من حفظه حتى قال عبد الرحمن بن مهدي: كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم. قوله: (كانت تكون) أي تحصل أو تستقر، ويحتمل أن قوله " تكون لا تصلي " خبر لكانت، وقوله "حائضا " حال نحو (وجاءوا أباهم عشاء يبكون) قاله الكرماني. قوله: (بحذاء) بكسر الخاء المهملة بعدها ذال معجمة ومدة أي بجنب مسجد والمراد بالمسجد مكان سجوده، والخمرة بضم الخاء والمعجمة وسكون الميم قال الطبري: هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، فإن كانت كبيرة سميت حصيرا، وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم، وزاد في النهاية: ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، قال: وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها. وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي. ثم ذكر حديث ابن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها. . الحديث قال: ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، قال: وسميت خمرة لأنها تغطي الوجه، وستأتي الإشارة إلى حكم الصلاة عليها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم وحديثها في اعتكاف المستحاضة، وحديثها ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، وحديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة، وحديث ابن عمر رخص للحائض أن تنفر. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين خمسة عشر أثرا كلها معلقة. والله أعلم.
|